مجدي الطيب يكتب أقوى نقد لفيلم أولاد رزق " منقول بالمسطرة " ! .

في معرض دفاعي عن فيلم «ولاد رزق»، الذي عُرض في ‏16 يوليو عام 2015، في مواجهة الهجوم الذي طاله؛ بحجة أنه يشيع الفاحشة بين الناس، ويحض على الفسق والرذيلة، نوهت إلى أن قيمته الحقيقية تكمن في تمرده على «الكليشيهات» التقليدية، والرسائل الأخلاقية؛ مثل : «الرجوع إلى الحق فضيلة»، و«الجريمة لا تفيد»، و«الخير لابد أن ينتصر في النهاية»، ونجاحه في تقديم واقع يتأذى منه البعض على الأرض، لكنه يأبى رؤيته على الشاشة، وسجلت يومها أشيد بمخرج الفيلم، لإمعانه الكيد للمحافظين، ومعهم «الكلاسيكيين»، عندما أنهى الأحداث والبطل ينكص العهد، ويفكر في العودة للجريمة !
كان من الواضح، وقتها، أن المخرج طارق العريان، والكاتب صلاح الجهيني، لن يترددا في تقديم جزء ثان من «ولاد رزق»، الذي يُصنف بأنه فيلم إثارة وتشويق Thriller، ويمثل ضلعاً مهماً في «صناعة الترفيه»، بعيداً عن الصدمة التي انتابت البعض لأن «ولاد رزق» لم يتبن رسالة، وخلا من المضمون (الأخلاقي بالطبع) !
غير أن مالا يُصدق، ولا يخطر على بال، أن «العريان» و«الجهيني» صنعا الجزء الثاني، الذي اختارا له عنواناً فرعياً «عودة أسود الأرض»، بنفس مواصفات، وربما تفاصيل، الجزء الأول، وكأنهما ينقلاه «نقل مسطرة»؛ فإذا كان من المتوقع، والبدهي، أن يحافظا على أبطال الجزء الأول بالكامل (أحمد عز، عمرو يوسف، أحمد الفيشاوي، كريم قاسم، أحمد داود، محمد ممدوح ونسرين أمين)، فالإصرار كان واضحاً على التعاون مع نفس العناصر الفنية (مدير التصوير مازن المتجول وواضع الموسيقى التصويرية هشام نزيه وفنان المونتاج أحمد حمدي ومهندس الديكور محمد عطية)، وبالطبع طاقم الإنتاج نفسه (طارق العريان وموسى عيسى وشركة راو إنترتينمنت) مع انضمام شركتي سينرجي للإنتاج الفني وطاهر ميديا للإنتاج الفني.
إفلاس الشكل على الأقل
الاستثمار المشروع للنجاح المدوي للجزء الأول، دفع الكاتب صلاح الجهيني إلى استعادة نفس طريقة سرد الجزء الأول؛ سواء على صعيد الشكل (العميل المزدوج الذي يدسه «ولاد رزق» للضابط في الجزء الأول أو الدبلوماسي في الجزء الثاني)، أو على صعيد المضمون؛ بالاعتماد على الخدعة غير المتوقعة في الحبكة Plot Twist؛ فإذا كان الجزء الأول قد اكتسب طزاجته من وقوع «رجب» ( أحمد الفيشاوي)، بعد انتحاله شخصية «عاطف»، في قبضة المقدم «رءوف حمزاوي» (محمد ممدوح)، ضابط المباحث الذي ظنه صيداً ثميناً للإيقاع ب «ولاد رزق»، قبل أن تتكشف أبعاد الخدعة، التي جاءت بتدبير أولاد عين الصيرة الأربعة، وأدت إلى إيقاف الضابط عن العمل، فإن الجزء الثاني يسير على نفس النهج بالضبط؛ حيث تضيق سبل العيش ب «ولاد رزق»، ورغم إصرار «رضا» (أحمد عز)، في الجزئين، على امتهان عمل شريف، والتوبة عن أعمال النصب والجريمة؛ خصوصاً بعد ما أنجب ولداً، في الجزء الثاني، من «حنان» (نسرين أمين)، فإنه يضعف، ويعود، بعد ما تجبره، وأشقاءه، الظروف المعيشية الصعبة، على الاستجابة سريعاً للعرض الذي قدمه الضابط المفصول «رءوف»، للتعاون معه؛ لاعجابه واعترافه بقدراتهم الهائلة؛ حيث يستغل نفوذه، وعلاقاته، السابقة، للحصول على المعلومات التي تُعينهم على ارتكاب الجرائم، التي يقع «عاطف» (أحمد داود)، عقب إحداها، في قبضة «كمال» (خالد الصاوي)، الدبلوماسي في إحدى السفارات الأجنبية، الذي الذي يقوم بأعمال غير مشروعة، ويسعى لانتزاع اعترافات تقوده إلى «ولاد رزق»، وهو نفس «تكنيك الحكي»، المتبع في الجزء الأول، حيث التقاطعات بين اعترافات الشاب ومخططات «ولاد رزق» لاستعادة المال المستولى عليه، بواسطة الدبلوماسي حتى نصل إلى Plot Twist؛ أي خدعة الحبكة، التي يخرج «ولاد رزق» منها منتصرين، ومعهم الضابط المفصول، الذي كاد يدفع الثمن، كالدبلوماسي، لولا أنه استفاق لنفسه، وجارى «ولاد رزق»، فأصبح من الرابحين، وهي الجرأة التي قام «الجهيني» و«العريان» بتدشينها في الجزء الأول؛ بالانقلاب على المسلمات الدرامية، والكليشيهات الأخلاقية، عندما عاقبا الضابط، وأطلقا سراح «ولاد رزق»، وواصلا جرأتهما في الجزء الثاني بتبرئة ساحة «ولاد رزق»، الذين ينظر البعض إليهم بوصفهم أشرار، والاحتفاء بأنموذج الفتاة السادية، التي جسدتها غادة عادل بجرأة تُحسب لها .
حقائق لم تعد خافية
· جاء في تعريف الفيلم ال Suspense بأنه : «الذي يُحقق نجاحاً في إخفاء بعض الحقائق والأحداث ثم الكشف عنها تدريجياً وبأكثر الطرق مهارة»، وعلى الرغم من الجهد الكبير المبذول، من قبل المخرج طارق العريان، وكاتب السيناريو صلاح الجهيني، فإن الجزء الثاني بدا أقل إثارة وغموضاً وتشويقاً مقارنة بالجزء الأول؛ بعد ما افتقدت الجرائم بساطتها، واتسمت بالبذخ والبهرجة، والتطرق لعوالم وشخصيات دخيلة (شخصية إياد نصار)، وافتعال مطاردات سيارات بدت أقرب إلى المادة الإعلانية، وإن وضعت أيدينا على ما وصلنا إليه من تطور ملحوظ في تصوير مشاهد الحركة، بأكثر من كونها جاءت استجابة لضرورة درامية، فضلاً عن المجاملة الواضحة في الاستعانة بضيوف شرف (أصالة لأنها زوجة المخرج وشريكة في الإنتاج) و(يسرا وماجد المصري) من دون أية إضافة تُذكر !
«انتظروا الجزء الثالث» !
ما يمكن قوله، في تبرير النجاح الكبير لفيلم «ولاد رزق»، بجزئيه، أنه لم يتبن «رسالة» أو يُمرر «عظة»، أو يميل للخطابة، وأقصى ما ذهب إليه هو التأكيد على العهد الذي أخذه الشقيق الأكبر على أشقائه بألا يتاجروا في السلاح أو المخدرات، وألا يغدر أحدهم بالآخر، وفي الجزئين جمع الحب، ووحد، بين الأشقاء، رغم الضعف الدائم للشقيق «ربيع» (عمرو يوسف) أمام غواية المال الحرام، والأهم أن «العريان» أكد، في كل أفلامه، بداية بفيلمه الأول «الإمبراطور» (1990)، على حقيقة مهمة تقول إن «الفيلم الترفيهي ليس أبداً هو الفيلم التافه»، وأنه قادر على اختيار السيناريو، الذي يراه مناسباً لموهبته، وحدسه الإنساني، ويتيح له توظيف أدواته الفنية، من قطعات سريعة، وإبهار صورة، وسيطرة على الأداء التمثيلي؛ بدليل أن طاقم التمثيل، بالكامل، في أفضل حالاته . ومن ثم فليس غريباً، على الإطلاق، أن يستحوذ «ولاد رزق» على كل هذا الإعجاب، الذي دفع المخرج / المنتج لانهاء أحداث الجزء الثاني بالممثل محمد لطفي («الشربيني» في الجزء الأول) وهو يرحب بخروج سيد رجب (المعلم صقر في الجزء الأول) من السجن، بينما شاب ثالث (آسر ياسين) ينضم إليهما، بما يعني أن ثمة جزءً ثالثاً في الطريق !

 

التعليقات