ثلاثون عامًا بين دمية «كرنبة» و«لابوبو»

- حين كانت الدمى تشبه قلوبنا… وصارت اليوم تشبه مخاوفنا

 

- "ليست المقارنة بين دميتين… بل بين جيلين، بين قلبين، بين ذاكرة تشتهي الطمأنينة، وواقعٍ لا يعرف إلا الصخب."

 

 

كرنبة.. تلك الطفلة القماشية التي كبرنا معها، كنا نرعاها، ونطعمها، ونلبسها، ونواسيها إذا سقطت.

 

كانت تُجسّد كل شيء نعرفه عن البراءة: ملامحها، حكاياتها، وحتى أخطاؤها الصغيرة التي كانت تحكيها لنا بخجل.

 

لكن حين ظهر أمامنا وجه "لابوبو"، بدت كل هذه الذكريات وكأنها من زمن لا يشبه الحاضر.

دمية بأنياب بارزة، عيونها حادة، وملامحها لا تحمل أي دعوة للحنان، بل كأنها تقول: "أنا لا أحتاج لأحد، أنا كافية بذاتي".

 

كيف تغيّر كل شيء؟

هل تغيّرت ذائقتنا؟ أم تغيّرنا نحن؟

 

كرنبة… دمية من زمن الحكايات

 

كانت دمية كرنبة جزءًا من سلسلة أمريكية شهيرة تُدعى Cabbage Patch Kids، مخصصة لتجسيد فكرة بسيطة: "الطفل الذي وُلد من الكرنب ويحتاج من يرعاه".

دمية تحفّز مشاعر الأمومة، وتُشعر الطفل بأنه هو الراعي، لا المرعِي.

نحتضنها، نعتني بها، ونحكي لها القصص، وكأنها طفل صغير.

 

كنا نراها في برامج الأطفال، نجلس أمام التلفاز مع فاطمة سالم، نتابع قصص كرنبة وهي تعتذر عن أكلها الخس غير المغسول، أو عن شقاوتها في الصف.

ضحكتها كانت من نوع الضحكات التي تبقى في الذاكرة دون أن تزعج القلب..

 

ثم جاءت لابوبو…

 

الدمية الجديدة لا تُشبهنا.

ملامحها أقرب للوحوش، تُباع على الرفوف بلغة صامتة لا نفهمها.

وجوهها تحمل تحديًا، لا حكاية.

تبدو كأنها لا تنتظر من يحبها، بل من ينجذب إلى غرابتها.

 

وحين بحثت عنها، وجدت أنها جزء من مجموعة تُدعى The Monsters.

رسالتها ليست في الحنان، بل في التعبير عن الاختلاف، القوة، وربما التمرّد.

 

صانعو الدمى لا يصنعون شكلاً فحسب، بل ينقلون فكرًا وقيمًا وشخصيات متخيلة، تبني علاقة خاصة مع الطفل.

فباربي مثلًا تمثل الأسلوب الأنيق للعروسة الجميلة التى يحبها الفتيات في محاولة من صانعي الدمى لفلسفة معايير  الجمال..  لكنها نسخة سطحية أحيانًا، ولتفادى ذلك خرجت منها إصدارات محتشمة تلائم الثقافة العربية...وهي فلة ..

حتى الدمى التى تمثل الابطال الخارقين فدائما ما كانت ترسخ لفكرة البطل المنقذ الذي يأتى دائما منفردا لانقاذ العالم..

وهنا تأتى المقارنة الحقيقية ..

كرنبة تقول:

 

> "أنا أحتاجك… علّمني كيف أكون، دلّني على الطريق."

لابوبو تقول:

 

> "لا أحد يحتاج أحدًا… أنا غامضة، وغموضي هو جمالي."

 

كرنبة كانت تعلّم الطفل أن العالم طيّب، وأنّه يستطيع احتضانه.

أما لابوبو، فربما تُهيئه لعالم قاسٍ، يربّي فيه نفسه بنفسه.

 

ليست المسألة مجرّد لعبة قديمة وأخرى حديثة…

بل مقارنة بين زمنين:

زمن صدّقنا فيه أن كل طفل يستحق أن يُحبّ، وزمنٍ يقول له: "كن قويًا قبل أن تُكسَر".

 

كرنبة كانت نسختنا الأجمل…

فى زمن كانت فيه الدمى تشبه قلوبنا، لا مخاوفنا.

 

التعليقات