الحكاية تفتح الملف المسكوت عنه " تحرش واغتصاب المحارم" .. الأطباء يكشفون الدوافع ( 3 )

هل الفقر دافع لاغتصاب المحارم ؟ لماذا الضحية تلتزم الصمت دائمًا ؟ وما موقف القانون والطب الشرعي ؟ هذا ما يجيب عليه الأطباء في الحلقة الثالثة من ملف " تحرش واغتصاب المحارم" في مصر .

وقد نشرت بوابة "الحكاية" قصص بعض الناجيات في الحلقة الأولى بعنوان " الضحايا تخرج عن صمتها" ، بينما تضمنت الحلقة الثانية " انفوجراف حقائق وأرقام مفزعة" .

الدكتورة دينا شكري رئيس قسم الطب الشرعي بكلية طب "القصرالعيني" جامعة القاهرة ، وقد تولت علاج فتاة عشقها أبيها إلى حد الجنون والاغتصاب، ( اقرأ القصة ) ، وتؤكد أن غالبية ضحايا اغتصاب المحارم يعانون من اضطرابات نفسية شديدة .

وتتابع: هذه الفتاة تحديدا كان يبدو عليها أنها مصابة باضطراب نفسي شديد نتيجة الاعتداء المتكرر عليها خاصة أنها تؤكد أنها عندما تمتنع عن معاشرة أبيها يعاقبها بالحرق ولا مانع من مضاجعتها تحت تهديد السلاح، المأزق الحقيقي الذي تقع فيه الفتاة أن غشاء البكارة نوع يسمح بممارسة جنسية دون أن ينقطع أو ينفض وبالتالي إذا أبلغت الفتاة عن اعتداء أبيها الجنسي فلن يقف القانون في صفها لعدم لإثبات اغتصابها، فهناك أنواعا من غشاء البكارة تجعل الكشف عن الجريمة مستحيلا .

وتتابع: المأزق الثاني أننا لو طالبنا بوضع الفتاة في مؤسسة رعاية أحداث فلن تمكث فيها سوى بضعة أشهر لبلوغها الـ 18 عاما وبالتالي لن تعد طفلة بحسب القانون المصري، وبالتالي ستخرج من الدار حتمتًا.

في النهاية تشير الدكتورة دينا شكري إلى أن قسم الطب الشرعي بجامعة القاهرة يحتوي على مركز لدعم وعلاج ضحايا العنف الأسري وهو الأول من نوعه في مصر .

ثغرات القانون

تلتقط أطراف الحديث، الدكتورة هبة قطب أستاذ الطب الشرعي واستشاري الطب الجنسي، وتستنكر ثغرات قانون العقوبات المصري، مؤكدة أنها أوصت بتغيير بعض المواد خلال رسالة الدكتوراة في الطب الشرعي التي ناقشتها عام 1997، تحت عنوان " الاعتداءات الجنسية وتبعتها الصحية"، ووجدت أن ثلثي العينة ضحايا لزنا المحارم .

وتوضح : القانون لا يأخذ ببعض العلامات التي يحددها الطب الشرعي على انها اغتصاب، ويعترف بها كهتك عرض فقط طالما أن غشاء البكارة سليم، ولكن هناك بعض الميكروبات لا تتنقل إلا عن طريق الاحتكاك الجنسي، كما أن توجد أنواع لغشاء البكارة لا تخترق مع التواصل الجنسي وهذا الأمر يتجاهله القانون تماما .

وتلفت أستاذ الطب الشرعي إلى أن بعض ثغرات القانون قائلة: إحدى الحالات التي تنصل منها القانون ولم يحمها كانت فتاة عمرها 9 سنوات، فبعد وفاة رب الأسرة اضطرت الام للعمل وكانت بائعة كشري على عربة في الشارع، ولم يكن لديها من الأطفال الا تلك الفتاة وابن عمره 13 عاماً، هذه الأم كانت تغيب عن المنزل طوال النهار تاركة الأطفال سويا، ولما بلغ الولد وأصبح لديه رغبة جنسية خاصة وأن أصدقائه كانوا يتحدثون معه كثيرا في الجنس لم يتردد في خوض التجربة مع أخته فالجو في المنزل مناسب تماما وأخته طفلة لا تفهم شيئًا .

وتتابع: فوجئت الأم بابنها يجري عليها بوجه شاحب ويخبرها بان اخته غارقة في الدماء، نقلتها الام إلى المستشفى على الفور فأسعفها الاطباء وحرروا محضرا بالحالة وأكدوا للام وجود شبهة اعتداء جنسي، وأثبتت تقارير الطب الشرعي أن الطفلة تعاني نزيف مهبلي نتيجة تهتك حاد بمنطقة الفرج والعجان وهو ناتج عن اغتصاب، ورغم اعتراف الطفلة باعتداء أخيها عليها إلا أنه لم يتلقى العقاب الجنائي لان القانون المصري ينص على ان الذكر لا يستطيع ان يؤتي عملية الجماع تحت سن 14 عاماً، فذهب حق البنت هباءًا .

من جانبها تؤكد الدكتورة هبة قطب أنه لا يمكن قياس مدى انتشار مشكلة زنا المحارم والسبب عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة . مشيرة إلى انتشار المشكلة بشكل أوسع في الطبقات الاجتماعية الفقيرة، خاصة في الأسر التي تعيش بأكملها في غرفة واحدة وبالتالي عندما يمارس الأب العلاقة الحميمة مع الأم يسمع الأبناء وتبقى الأخت هي المتنفس الوحيد لرغبات الأخ الجنسية .

تستنكر أستاذ الطب الشرعي واستشاري الطب الجنسي أن يكون الفقر هو الدافع إلى اغتصاب المحارم وتقول: زنا المحارم ظاهرة متفشية في الخليج رغم الثراء الفاحش .

أحدث الأبحاث

رغم تأكيد أطباء الصحة الجنسية والطب النفسي بأن ظاهرة اغتصاب المحارم في زيادة، هل توجد إحصاءات تؤكد ذلك ؟ هذا ما تجيب عليه الدكتورة سارة خاطر أستاذ الطب الشرعي بجامعة القاهرة.

لقد تقدمت الدكتورة سارة خاطر أستاذ الطب الشرعي، ببحث جديد عن زنا المحارم تحت عنوان " دراسة عن ضحايا زنا المحارم في القاهرة والجيزة" رصدت فيها الحالات المتقدمة الى الطب الشرعي من عام 2009 : 2011 ، وقدمت النتائج في المؤتمر الدولي الخامس للعنف الاسري الذي يقيمه قسم الطب الشرعي سنويا بكلية الطب جامعة القاهرة .

تؤكد دكتورة سارة أن حالات زنا وتحرش المحارم في زيادة مستمرة، لافتة إلى أن النسب التي خلصت إليها الدراسة لا تعبر عن النسب الحقيقية الموجودة في المجتمع بل إنها مجرد إشارات لوجود الظاهرة التي مازال المجتمع يحبسها طي جدرانه وينزل بها إلى القاع كي لا يكشف عنها خوفا من الفضيحة .

وتتابع: اللافت للنظر أن نسبة الوعي بدأت تزيد وبالتالي فإن الأمهات أصبحن أكثر جرأة على الابلاغ ولكن الطامة الكبرى أنه لا يتم الابلاغ إلا بعد فوات الأوان وتكرار الاغتصاب مرات ومرات، وفي إحدى الحالات الجيران كانوا أصحاب البلاغ عندما وجدوا الابنة حامل وتعيش بمفردها مع أبيها فشكوا في علاقة مشبوهة بينهما .

وتضيف: عادة ما تكون ممارسة الزنا أو الاغتصاب في صمت فغالبية الضحايا خضعن إلى التهديد ومنهن حالات حمل سفاح، فأذكر أن إحدى الضحايا وضعت في مرحاض عمومي والطفل سقط الحمام ومات ثم هربت، لم يعرف العاملون بتلك الواقعة إلا بانسداد المجاري وبتسليكها تم العثور على الطفل واستطاعت المباحث ضبطب الفتاة فاعترفت انه طفلها الثاني من أبيها الذي يجبرها على ممارسة الزنا معه .

في النهاية تلفت الدكتورة سارة خاطر إلى زيادة الظاهرة بسبب تفشي الفقر وانعدام الأخلاق في المجتمع .

أعراض نفسية

يختلف معها في الرأي الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، مؤكدا أن الفقر ليس سببا في زيادة معدلات زنا المحارم، ويقول: رأيت جيراننا في قارة أفريقيا يعشيون فقرا مدقعا ولا يعانون أي من تلك المشاكل الاجتماعية أو انهيار اللاخلاق والسبب أنهم يستمتعون بحياتهم ويعرفون سبل الترفيه بأي وسيلة مجانية .

ويتابع: المشكلة الحقيقية في المجتمع المصري أن المصريين يعيشون في جهل وبؤس شديد وحرمان من كل ملاذ الحياة حتى وإن كانوا يعيشون الرفاهية، وبالتالي لا يجد الرجل في ممارسته الجنسية مع الفتاة المحرمة عليه أي غضاضة لا يراها إلا كتلة لحم .

ويضيف: ضحية زنا المحارم تكون مفتوحة على جميع الأعراض والأمراض النفسية بداية من التوتر والاكتئاب حتى الانفصام في الشخصية واضطرابات الشخصية وهو مرض صعب علاجه خاصة وأن المريض يرفض العلاج فضلاً عن بطء الاستجابة، مشيراً إلى أن هذه النتيجة وصل إليها خلال رسالة الدكتوراة في الطب النفسي والتي ناقشها عام 2007 حول "الاعتداء الجنسي على الإناث"، والتي خلصت نتيجتها إلى أن أكثر من 40% من الفتيات في الريف المصري يتعرض لاغتصابات وتحرشات المحارم التي تبدأ من النظرة والكشف عن العورة الجنسية كدرجة أولى بينما الدرجة الثانية تأتي في مرحلة اللمس، والثالثة الاعتداء الكامل .

ويلفت أستاذ الطب النفسي إلى أن زنا الحارم لا يتربط بالمستويات الفقيرة فقط، مؤكدا أن حالات زنا واغتصاب المحارم في مصر في زيادة مستمرة رغم عدم وجود إحصاءات رسمية، مستندا في ذلك إلى الشهادة الطبية التي قالها الدكتور يحي الرخاوي أستاذ الطب النفسي وعميده كما يطلق عليه النفسانيون، حيث قال في إحدى نواته الشهرية أنه خلال الـ 50 عاماً التي أمضاها في العلاج النفسي لم يرى الزيادة المزهلة التى يراها في الحالات التي تتوافد إلى عيادته مؤخراً .

في الوقت نفسه يؤكد أستاذ الطب النفسي، فشل علاج غالبية ضحايا زنا المحارم، ويرجع السبب إلى جهل الأهل بكيفية التصرف في مثل هذا الموقف الشائك، فكلما كان الجاني أقرب إلى الضحية كلما زاد التأثير النفسي، ففضلاً عن انفتاحها على جميع الأمراض النفسية وعلى رأسها الاضطرابات الشديدة في الشخصية، بالإضافة إلى القلق والتوتر والاكتئاب، لا تمانع الضحية في أغلب الأحيان من ممارسة الدعارة كنوع من التمرد على الوضع الأسري

عنف ضد المرأة

في النهاية تؤكد الدكتورة ماجدة عدلي رئيس مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أن اغتصاب المحارم، أقسى أشكال العنف ضد المرأة التي يمارسها ضدها أقارب من الدرجة الأولى مثل الأب ، الأخ ، العم، والخال .

مشيرة إلى أنه تحت شعار الحياة ممكن بدون عنف وتمييز، كشفت نتائج البحث الميداني لمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، أن  66% من عينة البحث سمعن عن زنا المحارم، في مقابل 17% يعرفن شخصيات تعرضن له ، في حين 6% تعرضن شخصياً للتحرش الجنسي والاغتصاب على أيدي أحد المحارم في الأسرة .

كما تفيد الدكتورة ماجدة عدلي أن أسباب اغتصاب المحارم لا تختلف عن كثيرا عن أسباب العنف المتعارف عليه ضد المرأة، حيث يرجع إلى نظرة المجتمع إلى المرأة وأنها ملكية خاصة للرجل، فضلاً عن الجهل والفقر .

التعليقات