
حكاية "الحليف الغائب".. لماذا تراجعت موسكو عن دعم طهران "في أحلك أوقاتها؟"
تعاني إيران من ضربة تلو الأخرى، بعدما وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية، ضربة جوية استهدفت ثلاث منشآت نووية، سبقها هجوم جوي لجيش الاحتلال استهدف عدة مواقع في طهران، إلا أن روسيا أقوى حلفائها وشريكها الاستراتيجي، ليست مستعدة للذهاب بعيدًا في الدعم الإيراني.
وخلال الحرب الروسية الأوكرانية، كانت طهران مورّدًا مهمًا لموسكو بعدما زوّدتها بطائرات "شاهد" المسيّرة التي كان لها دور كبير في قدرة موسكو على القتال في حربها ضد أوكرانيا، ومع اشتعال الصراع الإسرائيلي الإيراني، أصبح لدى روسيا خيار، إما دعم حليفها في الشرق الأوسط، أو الحد من خسائرها في منطقة مضطربة.
وقالت هانا نوت، مديرة برنامج منع الانتشار النووي في أوراسيا بمركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، إنه اتضح جليًا في ديسمبر 2024 أن موسكو لا تستطيع، أو لا ترغب، التدخل بشكل حاسم نيابةً عن شركائها المناهضين للغرب في الشرق الأوسط، بعد الإطاحة ببشار الأسد، حليف روسيا القديم.
وواصلت إيران وروسيا التعاون في مجالات مثل الحرب الإلكترونية وتطوير الأقمار الصناعية، بل ووقعتا معاهدة شراكة استراتيجية في يناير الماضي، لكن روسيا رفضت منح إيران الدعم الذي كانت ستحتاجه، مثل طائرات مقاتلة متطورة أو دفاعات جوية متطورة، لردعها أو الدفاع عن نفسها بشكل أفضل ضد المزيد من الهجمات الإسرائيلية.
علاقة معقدة مع إسرائيل
وأوضحت هانا نوت، في تحليلها لمجلة "ذا أتلانتيك"، أن روسيا لطالما كانت لديها حدودٌ لمدى دعمها لإيران، وقد عززت أجندة الكرملين المهووسة بالغرب من أهمية إيران كشريك، إلا أن بوتين لا يزال لديه مصالح أخرى في المنطقة، كعلاقةٍ طويلة الأمد، وإن كانت معقدة، مع إسرائيل، وضرورة التنسيق مع أوبك بشأن أسعار النفط، على سبيل المثال، لذلك ظلّ مُراعيًا للخطوط الحمراء التي تضعها إسرائيل ودول الخليج فيما يتعلق بالتعاون الدفاعي مع إيران.
وأضافت أن علاوةً على ذلك، لم تكن روسيا لتخاطر أبدًا بالتورط العسكري نيابةً عن شريكها، خاصةً في ظل انشغالها بمهامها الداخلية مثل الحرب الأوكرانية المستعرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
عتبة إيران النووية
ولم تعد روسيا ترغب في التعاون مع الدول الغربية للحد من انتشار الأسلحة النووية، لكنها لم ترغب قط في أن تتجاوز إيران العتبة النووية، ولم تتمنى قط أن تحظى إيران بالمكانة العالمية التي تمنحها لها الأسلحة النووية، لأسباب منها إدراك موسكو أنها ستفقد نفوذها على إيران النووية.
قد تُطلق إيران، إذا ما حُوصرت، هجومًا عنيفًا، أو تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو تُسارع إلى امتلاك قنبلة نووية، كاشفةً بذلك حدود نفوذ موسكو على طهران، ربما ترغب روسيا في تجنّب حصول إيران على السلاح النووي، لكنها تُفضّل أيضًا ألا تتدخل الولايات المتحدة عسكريًا بشكل مُفاجئ يُضعف إيران أكثر.
الاستفادة من حرب مطولة
من ناحية أخرى تستفيد روسيا من حرب مطولة بين إيران وإسرائيل، فالقتال سيُقوّض مساعي الرئيس دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، ما سيجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة، ويُبرز عجزها عن كبح جماح إسرائيل، وستبقى أسعار النفط مرتفعة، خاصةً إذا أغلقت إيران مضيق هرمز.
ومن شأنه أن يُخفف بعض الضغط على المالية العامة الروسية، وسيتعين على إيران التوقف عن إرسال الأسلحة إلى روسيا لأجل غير مسمى، لكن روسيا نجحت بالفعل في توطين إنتاج الطائرات المسيّرة الإيرانية، وتستورد مكوناتها من مصادر خارجية.
وقد تخشى روسيا أيضًا من أن حربًا طويلة الأمد في إيران قد تُزعزع استقرار جنوب القوقاز (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا)، حيث لروسيا مصالح، لكن نطاق تحركها كان محدودًا للغاية خلال حرب أوكرانيا، كما أن موسكو لن ترحب بأي اضطرابات تُعجّل بسقوط النظام الإيراني.
عودة بوتين للساحة الدبلوماسية
دأبت موسكو على إبداء رغبتها في العمل مع واشنطن بشأن الملفات الجيوسياسية، وذلك جزئيًا لتأجيل وقف إطلاق النار في أوكرانيا، تُمثل إيران فرصة نادرة لبوتين للعودة إلى ساحة دبلوماسية القوى العظمى لكن ما الذي يمكن لروسيا أن تُقدمه؟
من غير المرجّح أن تتخذ موسكو نهجًا عقابيًا تجاه طهران، في الوقت الذي لا يزال البلدين شريكين، ومتحدان جوهريًا في أجندة معادية للغرب، وستتوخى الحذر بشأن تقديم المعدات العسكرية في وقت تدمرها فيه إسرائيل بشكل ممنهج، وبوتين ليس من النوع الذي يميل إلى الانحياز علنًا إلى الطرف الخاسر.
يمكن لروسيا أن تلعب دورًا عمليًا في أي اتفاق مستقبلي، بعد أن عرضت إزالة اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب وتحويله إلى وقود لمفاعلات مدنية لطهران، لكن الخطط التقنية الروسية لا تستطيع سد الفجوة السياسية الجوهرية بين الإدارة الأمريكية التي تُصر على عدم التخصيب تمامًا، وإيران التي تعتبر هذا المطلب دعوةً للاستسلام.
من ناحية أخرى ستكون إيران، المعزولة استراتيجيًا، أكثر تشككًا في الولايات المتحدة مما كانت عليه قبل الهجوم الإسرائيلي، وسترغب في مشاركة روسيا، على الأقل ظاهريًا، للحفاظ على التوازن، لكن نفوذ روسيا محدود على نتيجة الحرب، أو على خطوات إيران التالية، أو على قرار واشنطن بشأن التدخل العسكري.
تزويد إيران بالسلاح
أخيرًا قال دميتري ميدفيديف الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي حاليًا، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفع الولايات المتحدة إلى حرب أخرى، وإن الدول مستعدة لتزويد إيران بشكل مباشر برؤوسها النووية.
أدلى "ميدفيديف" بهذه التصريحات عبر تطبيق تليجرام، موضحًا وجهة نظره بشأن ما قد تؤدي إليه الضربات التي شنّتها إدارة ترامب على المنشآت النووية الإيرانية في المستقبل.
وقال ميدفيديف: "سيستمر تخصيب المواد النووية، بل وإنتاج الأسلحة النووية مستقبلًا، كما هو واضح"، وأضاف: "عدد من الدول مستعدة لتزويد إيران مباشرةً برؤوسها النووية الخاصة".